" و يسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً " - سورة الكهف
عندما كنت طفلة صغيرة و شغوفة بأفلام الكرتون ، كنت كثيراً ما أرى بعض المشاهد لرجال جيش يرتدون الخوذة الحديدية ذات القرنين ( الفايكنج) و هم من ذوات البشرة الشقراء و لهم لحية كثيفة حمراء و يقاتلون بهمجية و وحشية، و كثيراً ما كنت أراهم بصورة الغزاة المتوحشين .. عندما كبرت قليلاً عرفت قصة هذه الأسطورة بأنها تمثل جيوش الدول الاسكندنافية (دول شمال غرب أوربا)، كانت معروفة تلك الجيوش بالقوة و الوحشية و استعمرت أجزاء كثيرة من أوربا و كان يسمى بعصر الفايكنغ ، نسبة الى جيوش الفايكنغ .. الشئ الأهم الذي اكتشفته أن تلك الجيوش في الحقيقة لم تلبس تلك الخوذ ذات القرنين أو ما تسمى بــخوذة الفايكنغ "Viking Helmet Horns"كما عرفتها أول مرة في أفلام الكرتون و كما يصدقها الكثير من الناس، فما هو السر خلف هذه الخوذة التي هي رمز القوة و الهيمنة ..
في يوم كنت أقرأ فيها سورة الكهف حتى وصلت عند اسم ذو القرنين ، و كنت أعرف مسبقاً أن سورة الكهف كاملة نزلت رداً على أحبار اليهود و اثباتاً لما هو موجود في كتبهم، و كل قصة في سورة الكهف مازالت موجودة حتى الآن كما هي في كتب العهد القديم للتوراة مثل كتاب دانيال و أشعيا، فشعرت بنشوة الفرح بأنني وجدت قصة كانت جذورها موجودة منذ طفولتي ..
ذو القرنين هو ملك عظيم من ملوك دولة حمير في اليمن ، كما جاءت بذلك الأسانيد في كتب اليهود و أشهر المفسرين للقرآن كأمثال ابن كثير و ابن هشام و غيرهم .. و كان عرب اليمن أول من تسمى ب "ذو" و "ذي" نسبة للصفات و الأشياء ، كما أن مادة قطر الحديد أول من استخدمها هم أهل اليمن القدماء في بناء السدود مثل سد وادي مأرب، و كانوا يستخدمون مادة النحاس و الرصاص المذاب في بناء السدود ، فكان يسمى هذا الملك بذو القرنين نسبة للخوذة الحديدية التي كان يرتديها مع جيشه..
أعطى الله هذا الملك كل أسباب القوة و الهيمنة من كل شئ فسخر له جيشاً عظيماً و قوة في السلاح " إنا مكنا له في الأرض و آتيناه من كل شئ سبباً "- سورة الكهف ، و أعطاه الله فوق ذلك العلم و الحكمة و الإيمان و الرحمة ، فكان يجول بجيشه داعياً الى الله ، حتى وصل إلى مغرب الشمس في الأرض ، و هي آخر مكان تغرب فيه الشمس على الأرض و يوجد في قارة أمريكا الشمالية ، فكانت آخر نقطة وصل اليها في غرب الأرض عند "عين حمئة"- سورة الكهف ، قال الباحث أحمد آل الشيخ في كتابه (عين ذي القرنين الحمئة) : هي عين كبيرة في قارة أمريكا الشمالية يستطيع الانسان رؤية الشمس تغرب فيها كما يستطيع رؤيتها تغرب في البحار و هي ذات طين أسود (حمئة) .. تعرف الآن هذه العين بـ "بحيرة يلوستون" الموجودة في منتزه يلوستون الوطني غرب الولايات المتحدة الأمريكية ، بالرغم أنها تبعد عن المحيط الهادي إلا أنها آخر مكان تغرب فيه الشمس نظراً لارتفاعها عن الأرض..
واصل هذا الملك ذو القرنين رحلته من غرب الأرض حتى أقصى شرق الأرض، أو كما جاء في سورة الكهف " مطلع الشمس" ، و هي أول مكان في الأرض تشرق فيها الشمس و هي منطقة صحراوية ممتدة لا جبال فيها و لا أشجار، فليس هناك أي ساتر لرؤية بداية شروق الشمس " وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً " - سورة الكهف
و في أواخر رحلته بعدما زار بلد مطلع الشمس ، وصل إلى بلاد بين جبليين عظيمين ، يسكنها قوم اسمهم "يأجوج و مأجوج" ، كان التخاطب معهم صعباً للغاية و لجأ للعديد من المترجمين فكانوا بالكاد يفهمون ما يقوله لهم الملك ذو القرنين، فكانوا شعب منعزل منغلق صعب التفاهم و التعايش معهم فكانوا " قوماً لا يكادون يفقهون قولاً " - سورة الكهف ..
اعتصمت الأقوام المجاورة إلى هذا الملك العظيم الذي انتشر صيته، فلما رأوا قوته و بأسه شكوا إليه شدة الفساد و الأذى الذي لحق الناس من يأجوج و مأجوج ، فعرضوا عليهم أن يجمعوا له أجراً كبيراً من المال مقابل أن يبني لهم سداً عظيماً يمنع الناس أذاهم " فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا و بينهم سداً " - سورة الكهف .. رفض هذا الملك المقابل المادي فما يملك من أموال أعظم بكثير من عروضهم إنما هو ينشر الخير و السلام في الأرض لوجه الله تعالى وحده ، ثم عرض عليهم أن يبني لهم سداً عظيماً قوياً لا يمكن أن يتجاوزه أحد .. و بدأت عملية بناء الردم العظيم بمعاونة من تلك الأقوام ، فبدأوا ببناء حاجزين من الحديد الصلب ثم اشعالها بالنار حتى تساوت ثم سكبوا بداخلهما مادة الرصاص المذاب .. و كانت هذه آخر و أعظم المهام التي قام بها ذو القرنين في رحلاته كما جاءت في أواخر سورة الكهف " آتوني زبر الحديد، حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا، حتى اذا جعله ناراً قال آتوني أُفرغ عليه قطراً، فما اسطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقباً " - سورة الكهف
عرفت الآن قصة الخوذة ذات القرون الحديدية بالكامل و من أول من لبسها و إلى ماذا كانت ترمز .. و جمعة مباركة من مشرق الأرض إلى مغربها ..